"إني اقاوم القدر"
تقول فاطمة اوفقير:

واحدة من هذه الحيل كانت الخيال والحكي،
فعلى مدار ثماني سنوات تم فصل أفراد الأسرة عن بعضهم البعض في زنزانات
منفصلة، استطاع ابنها رؤوف أن يخلق من بعض الأسلاك والقطع المعدنية شبكة اتصال بين
الزنازين تمكنوا من خلالها الاستماع إلى حكايات وقصص كانت ترويها مليكة عن روسيا
القيصرية و"تبتدعها من مخيلتها الخصبة...تطورت على مر الليالي مع شخصيات عديدة
وأحداث مثيرة متواصلة...وتعلقنا جميعا بشفتي مليكة وموهبتها السردية". بل قامت الأخت الصغيرة سكينة بكتابة هذه
الحكايات على الورق المقوى الذي كان يرسل إليهم فيه الخبز حيث "في النهاية
أصبح في حوزتنا كيس ملئ بالأوراق المسطرة بكتابات سكينة الدقيقة، ثمانية أعوام دون
أن نتمكن من أن تنتقابل وجها لوجه ونحن نعيش عبر شبكتنا حكاية من روسيا
القصرية".
وإلى جانب الحكى كان هناك التأمل
والحلم وإطلاق الخيال :
"في السجن، كنا نمضي أياما كاملة
في التأمل داخل عزلتنا. لم يكن هناك ما نتلهى به، كانت تسليتنا الوحيدة خيالنا
الخاص. كنا نستطيع أن نتوه بحريتنا في
رؤوسنا، ونعد مشاريع كبيرة، لم يكن بوسع أحد أن يردعنا ولم تكن أيه عقبة تعترض
أفكارنا. بطريقة ما، كنا أحراراً أكثر من الناس في الخارج".
ورغم هذه الحيل وأشكال المقاومة كانت
التجربة في غاية الصعوبة على الأم وأبنائها الستة خاصة وأنها كانت تراهم يذبلون
أمامها ولذلك لجأوا إلى الإضراب عن الطعام عام 1986 في محاولة للفت الأنظار إلى
محنتهم دون جدوى ثم محاولة انتحار فاشلة،
إلى أن نجح أربعة من الأبناء من الفرار من السجن عن طريق حفر نفق عام 1987، وهو ما
سلط الأضواء على قضيتهم أمام الرأي العام المغربي والعالمي ومهد الطريق لإطلاق
سراحهم عام 1991.
تجربة فاطمة أوفقير وتجربة أبنائها الستة، حتى لو اختلفت
معها في مواقفها السياسية أو المبررات التي تسوقها دفاعا عن زوجها، هي نموذج لمقاومة محن الأقدار بكرامة وإنسانية ومحاولة الاحتفاظ "على مشاعر الشهامة والإحساس المرهف"
وعدم الانحطاط إلى مستوى حيواني أدنى.
وكما
تقول فاطمة اوفقير: " أردت أن يفكر أولادي في العيش بعزة وكرامة قبل التفكير في
الحقد والكراهية، وربما هذا ما أبقانا ضمن مجتمع البشر".
No comments:
Post a Comment