"لقد جئت إلى هذه
الدنيا مرفوعة الرأس وسأموت مرفوعة الرأس"
يمكن أن يكون غلاف كتاب "حدائق
الملك" مخادعا للوهلة الأولى، فإلى جانب العنوان الذي يوحي بسياق مرتبط بالطبيعة
والجمال واتساع الأفق، توجد صورة لأمرأة جميلة يكسو ملامحها الجذابة ابتسامة هادئة
رقيقة، هي صورة الكاتبة وصاحبة السيرة فاطمة أوفقير. فمن هي وما هي قصتها مع
"حدائق الملك"؟
هي زوجة الجنرال محمد اوفقير، رجل
المغرب القوي والرجل الثاني بعد الملك الحسن والذي كان قد دعم والده محمد الخامس في
الحصول على استقلال البلاد عام 1956 من فرنسا ثم تولى منصب وزير الداخلية في عهد
الحسن الثاني بعد أن كان مدير أمن ومخاربات وساهم في قمع المعارضة وبسط يد الدولة والملك على البلاد .
ورغم حياة الرفاهية والرغد والثراء
التي عاشتها فاطمة أفقير، و هي إمرأة قوية الشخصية، محبة للحياة ومتعها، ورغم
قربها من الأسرة المالكة ومن مراكز السلطة والنفوذ وصنع القرار، انقلبت حياتها
رأسا على عقب عندما تورط زوجها في محاولة إنقلاب فاشلة ضد الملك الحسن عام 1972 ، قتل في أعقابها
الجنرال أوفقير.
ولكن الأمر لم ينتهي عند
هذا الحد، بل أصبحت فاطمة وأولادها الستة والذي كان أصغرهم عبد اللطيف يبلغ من
العمر ثلاث سنوات وأكبرهم مليكة في التاسعة عشرمن العمر نزلاء في حدائق
الملك....وهو الأسم الذي يطلق على المعتقلات والسجون السياسية في المغرب.
من الصعب قراءة تجربة الاعتقال التي
دامت 19 عاما من 1972 حتى 1991 والسقوط المروع من قمة المجتمع المغربي إلى غياهب النسيان تحت الأرض في الزنزانات السوادء المفقرة دون غذاء كاف أو رعاية طبية أو
فرص لتعليم الصغار، تجربة راح ضحيتها ستة من الأطفال والأبناء لا ذنب لهم فيما اقترف
الآباء، ولكنه شكل أخر من أشكال العقاب الجماعي الذي يقترفه المستبد أو صاحب
السلطة أو المتعصب دينيا أو عنصريا والذي يدفع ثمنه الأبرياء من أعضاء أسرة أو
أبناء قرية أو أفراد طائفة دينية أو حتى أبناء بلد بأكمله.
ولكن أكثر ما جذبني في هذه المذكرات
هو القدرة الإنسانية ، حتى بين الصغار، على البقاء والحياة والصمود أمام أصعب ظروف الحرمان والقهر وايجاد سبل لعدم
"السقوط في الانحطاط المعنوي والعقلي" كما تعبر عن ذلك فاطمة افقير.... فكيف كان ذلك؟؟
No comments:
Post a Comment