"ذهبت بهجتهم وقلت
أموالهم وظهرت عليهم الكآبة والفاقة منذ الغارة"

وقد ظلت ذكرى مهانة هذه "الغارة"
قابعة في نفوس أهل القرية لعقود طويلة بعد حدوثها، غرزت في أعماقهم
"القهر" . ويرسم د. عصمت سيف
الدولة صورة مؤلمة لعواقب هذا الإحساس
عندما يتغلب على روح الإنسان حيث أنه الذي جعل "شباب القرية يجرون كالبهائم
مربوطين في ذيل حصان يمتطيه عسكري ولا يقاومون، ويرتضون أن يقفوا تأدبا إذا مر
عليهم حصان الحكومة لا يمتطيه عسكري". فقد دخل القهر "في نسيج حياتهم
فأصبح كل منهم أنسانا مقهورا...لا يشعر بالقهر إلا إذا نبه إليه تنبيها
قويا...ولقد كانت الحكومة أقوى المنبهات إلى تناقض قيمة المساواة بين أهل القرية
ومقام المقهورين فألغو من حياتهم فعليا وعقليا ونفسيا وسلوكا آية قرابة بينهم وبين
الحكومة، لا قرابة عداء ولا قرابة ولاء
ولاقرابة انتماء، ولا قرابة رجاء".
وبهذا الشكل "أستقامت حياتهم على
وثيق المساواة فيما بينهم وعوضوا حاجتهم الدفينة إلى العزة بأن أضافوا إلى أبطالهم
الشعبيين القدامي من بني هلال، أبطالا معاصريين هم أولئك الأولاد
"الجدعان" الذين يتحدون الحكومة وتطاردهم السلطة فلا تصل إليهم في
مخابئهم الأسطورية، أولئك الذين تغني لهم فتيات القرية، ويرسل إليهم الرجال
الأموال القليلة خفية، ويحلم كل ناشئ بالانضمام إليهم...انهم نماذج الانسان الذي
يفتقده في ذاته كل انسان في القرية فينتمي إليه تعويضا عما اتنقصه القهر من
انسانيته".
وقد سجل أبناء القرية قصة
"الغارة" في حكايتهم وفي أغانيهم التي تدعو إلى الثأر واستعادة الكرامة،
وربما تحقق جانب من هذا الثأر عندما نجح أحد أبنائها وهو "الشيخ عباس" الرجل
الأزهري المتعلم والمثقف في قيادة مقاومة
ذكية استخدم فيها الأدوات القانونية والإجراءات الإدارية إلى جانب توعية وتحفيز
أهل القرية مما نجح في حماية شبابها من اصطيادهم وترحيلهم لخدمة المجهود الحربي
البريطاني إبان الحرب العالمية الأولى‘ ثم في أسترداد أرض "الجزيرة" التي
سلبت من القرية أثناء الغارة ومن ثم استعادة جانب من كرامتهم ومواردهم وثروتهم.
ولكن كيف يتم تنشئة أبناء القرية
وإعدادهم لحياة تختلط فيها قيم المساواة مع قسوة وخشونة القهر، سواء قهر السلطة أو
قهر الفقر؟
No comments:
Post a Comment