Sunday, August 12, 2012

اطلالة على حيوات أخرى...(5) مذكرات قرية: العاب الحياة 4


                

                              "لا أحد يكف عن اللعب، ولا أحد يشكو، 
                                  ولا أحد يبكي ولو تحطمت عظامه"



اللعب ليس فقط مدخل لأدخال البهجة والسرور والمرح على الاطفال ولكنه أيضا يمنحهم فرصة الاختلاط بغيرهم من الأطفال واكتساب المهارات الاجتماعية، وفي قرية مثل  "الهمامية" يصبح اللعب أداة هامة لإعداد الأطفال للحياة التي سيواجهونها.  ومن أهم اللعب التي يلعبها الأولاد لعبة "دارت" ولعبة "العضمة". وكل منهما تنطوى على مخاطر الموت أو الجرح الجسيم وكلها تبيح العنف بدون حدود.

فلماذا تزج القرية بأبنائها لمثل هذه الألعاب والمخاطر؟؟

يعقب على ذلك د. عصمت سيف الدولة قائلا:

" قسوة الحياة في القرية خلقت أرقى فضائلها: احتمال القسوة لتستمر الحياة. غيبة الأمل في مغالبة الحياة، خلقت فضيلة الكف عن الشكوى لمن لا أمل فيه. هكذا ما فتئت القرية تدرب أولادها وهم صغار يلهون على ما سيحتاجون إليه حين يكبرون ويعملون.  تقدم للهوهم ألعابا قاسية لتحصنهم ضد قسوة الحياة الجادة، كما يلقح الجسم بالميكروب ليتحصن ضد الاصابة بمرضه. وعلى مدى الحياة الطويلة وأجيالهم المتعاقبة يتعلم كل مجتمع ما هو في حاجة إليه. كما تعلم المجتمع منذ الغارة أن الشجاعة رأس الفضائل كما تكون بالاقتحام الايجابي وهزيمة القاهرين عنوة، تكون بهزيمة القهر ولو سلبيا بتحمل آلامه وعدم الشكوى منه ولو كانت الحياة ذاتها هي ثمن الصمود".

وعلى جانب أخر، هناك العاب تعلم المساواة مثل لعبة "السيجة" التي يلعبها أهل القرية كغيرهم من فلاحي مصر بقطع من طوب أو حجر على رقعة من تراب وهم جلوس على الأرض، ويحرص أهل القرية على تدريب أولادهم عليها منذ الصغر. ويقدم د. عصمت سيف الدولة مقارنة بديعة بين لعبة "السيجة" ولعبة "الشطرنج" لها دلالات تربوية واجتماعية  فيقول:

"فالسيجة لعبة ديمقراطية في حين أن الشطرنج لعبة ارستقراطية، ففي السيجة تتساوى كل القطع  إذ كلها أحجار أو طوب، أما في الشطرنج، فثمة الملك والوزير والفارس والطابية والفيل ثم أخيرا الجند الذين يرصونهم أمام الارستقارطيين وفرسانهم وطوابيهم وأفيالهم ليتلقوا عنهم مخاطر القتال المبكر. كذلك في الشطرنج كل القوى مسخرة لحماية الملك ولا يهزم لاعب إلا إذا مات الملك حتى لو كان فقد كل جنده أو خيله وطوابيه، أما في السيجة فكل القطع يساند بعضها بعضا وتتعرض كل قطعة للمخاطر ذاتها التي تتعرض لها القطع الأخرى، وتحل كل قطعة محل أية قطعة أخرى في إداء وظيفتها، ومن يمت يفتدي من يعيش، ثم لا ينهزم إلا من يفقد "أغلبية" قواته وحكم الأغلبية قائم على اساس المساواة بين البشر".

ولكن إذا كانت المساواة  قيمة أساسية من قيم القرية، فماذا عن المرأة ووضعها ومكاتنها في هذا المجتمع الصعيدي التقليدي المحافظ ؟  

No comments: