Wednesday, April 27, 2011

مشاهد من مصر ما بعد الثورة (1): القطار- قصة حقيقية


المكان: عربة رقم 1 درجة أولى من القطار المتجه من القاهرة إلى الإسكندرية
الزمان: صباح يوم ربيعي من شهر أبريل 2011

المشهد الأول:                                      
زوجان يجلسان يقرأن الصحف ومن حولهما صمت مطبق، فلا صوت لثرثرة الركاب أو ضحكاتهم أو أحاديث مطولة على الموبايلات كعادة ركاب قطارات مصر، الصوت الوحيد المسموع داخل العربة صوت احتكاك عجلات القطار بالقضبان، وخشخشة ورق الجرائد حيث الجميع منكب على قراءة الصحف ومتابعة الأخبار وتطورات الأحداث.
من حين إلى آخر يعلو صوت طفل صغير يجلس مع والدته خلف الزوجان:

الطفل: "حسنى مبارك وحش....حسنى مبارك وحش"
الأم: "بس يا حبيبي...بس"
الطفل:  "باطل...باطل...باطل..."
الأم: "وبعدين يا حبيبي...بطل شقاوة"!

المشهد الثاني:
رجل ملتحي يرتدي جلباب ومن فوقه معطف أنيق بني اللون، يحمل في يده رزمة سميكة من الأوراق ويمر على المسافرين واحد واحد، يتحدث معهم برهة ثم يعطيهم ورقة من الرزمة. يصل إلى حيث يجلس الزوجان.

الرجل الملتحي: "طبعا حضرتك مسيحي..."
الزوج: "اشمعنا يعني، حضترك بتسأل ليه"؟
الرجل الملتحي:  "أنا اسمي "..........." وأنا مرشح لرئاسة الجمهورية (يعطيه ورقة من الرزمة) و أؤكد لك أنني احترم الكنائس والأخوة المسيحيين".

الزوجة (في غاية الانفعال والعصبية وهي تنظر إلى لحيته الطويلة ولونها المائل إلى  اللون الأحمر ومشاهد من قطع الأذن وهدم الأضرحة وحرق الكنائس تتراقص أمام أعينها): "أولا أنت ليه بتفترض إن إحنا مسيحيين؟ عشان أنا مش محجبة؟!! لعلمك إحنا ولا مسلمين ولا مسحيين، إحنا مصريين، إحنا مواطنين مصريين!!! ولو إنت مرشح للرئاسة بجد لازم تكلم الناس على أساس المواطنة مش أي حاجة تانية"!!

يقف الرجل واجما بعد أن باغتته الزوجة بكلامها وبالنبرة الحادة في صوتها.

الزوج ( ضاحكا في محاولة لتخفيف الأمر وأيضا رغبة في معرفة المزيد بعد أن أثار الرجل فضوله): "والله يا سيدي أنا بحييك على شجاعتك، بس كلمنا شوية عن برنامجك".

الرجل (الذي استعاد حماسته بعد سماع النبرة الهادئة والمرحبة للزوج): "البرنامج بسيط، احنا عاوزين نعمل لكل واحد بيت بحتة ارض، والضرائب 2% بس عشان نشجع الاستثمار ونوظف الناس على أن تكون المرتبات عالية، ماتقلش عن 1500 جم".

الزوج: "كويس، بس مش الـ2% دي قليلة شوية، مش أفضل ضرائب تصاعدية؟"

الرجل الملتحي: "أبدا، إحنا عاوزين نشجع الاستثمار عشان ييجي مصر، أنا حتى بعت خطاب للرئيس أوباما وقلت له أن المصريين بيرحبوا بالشعب الأمريكي وان احنا مش ضدهم وبنرحب باستثمارات من كل حتة في العالم. وكمان عاوزين السياحة تزيد، يعني هدفنا 70 مليون سائح".

الزوج: "والله برنامج طموح جدا ويبدو إن أنت باذل جهد كبير".

الرجل الملتحي: "أشكرك، انا فعلا لفيت مصر حتة حتة،  بيت بيت، وكنت لسه في الصعيد".

الزوجة (تحدث نفسها وهي تتابع الحوار بين الرجل وزوجها): "ناقص يقول زنجة زنجة...دي ايه الأشكال دي!! قال مرشح للرئاسة قال!!!"

المشهد الثالث:
القطار يصل إلى الإسكندرية وينزل منه الركاب.
يحمل الزوجان حقائبهما وهما يتجهان خارج المحطة، ويلمحان الرجل الملتحي وهو يجر ورائه حقيبة سوداء فاخرة وفي استقباله رجل غير ملتحي يرحب به بشدة.

ينزل الطفل مع والدته من القطار وتتجه أنظاره إلى أرفف البائعين المكدسة بالأطعمة والحلويات والمشروبات. لا تجذبه أكياس الشيبسي بنكهة الجبنة أو الجمبري أو الشطة، ولا كانز الكوكاكولا  والسفن أب، ولا حتى  أصابع الشيكولاته والعسلية  أو أكياس البونبوني، فقط شيء واحد يشد انتباهه بقوة وتلمع عيناه وهو يتأمل ألوانه الثلاث، ثم يمد يده الصغيرة ليأخذه.

الطفل: "أنا عاوز ده يا ماما...أنا عاوز ده..."
الأم (وهي تنظر له وتبتسم): "حاضر يا حبيبي".

يمسك الطفل يد أمه وباليد الأخرى يمسك علم مصر...ويسيران معا خارج المحطة.


5 comments:

Anonymous said...

Amazing ya Nadia...

Nadia said...

Thanks ya Rou....glad you liked it :)

Anonymous said...

Very nice story..I shared it on twitter...(If you have any problem with that I can delete the tweet).

Nadia said...

Thank you, I'm happy you liked it! It's perfectly fine with me that you share it on twitter.

Abdelsalam76@gmail.com said...

Great ..I realy liked it that's why I shared it :)