Tuesday, February 18, 2014

ابتسامة منى




أتذكر ذلك اليوم جيداً حينما قابلتها لأول مرة...كان ذلك في شتاء عام 2010 عندما جاءت لزيارتنا في منزلنا الريفي.  منى...فتاة عشرينية تميل إلى الإمتلاء، ترتدي قبعة زرقاء فوق وجه مستدير بشوش يفيض بالبهجة والمرح. كان هذا أول لقاء لي بها، ومع ذلك كنت أشعر أنني أعرفها جيداً، فهي واختها لبنى من أكثر الأصدقاء قرباً لإبنتي أخي سارة وهبة. لسنوات طويلة واسمهما يتردد في محيط أسرتنا، وقصصهما تتداخل وتتقاطع مع قصص وحياة سارة وهبة، حتى أصبحت اعتبر الأربعة نسيجاً واحداً، تتعدد ألوانه وأشكاله ولكن تربطه خيوط  قوية ومتينة من الصداقة والوفاء والحب. 

أعود بذاكرتي إلى تلك اللحظة حينما كنت أتأملها وهي جالسة في حديقة المنزل، لها ابتسامة تحتوى عالم بأسره من الدفء والمحبة، وضحكة آتية من أعماق البهجة، وعيون تلمع بالذكاء وخفة الظل.  كانت تتطلع إلى السماء أملاً في أن تبرز الشمس لتدثر بدفئها. وجاءت اللحظة حينما تسللت أشاعتها من وراء السحب لتسطع للحظات وتفيض علينا بعباءة من الدفء.  أغمضت منى  عينيها ومالت رأسها إلى الوراء وهي تستقبل هدية السماء. كان وجهها يملؤه السكينه والهدوء رغم ميوله إلى الشحوب.  رفعت القبعة من على رأسها لتظهر من تحتها رأساً مستديرة أستدارة كاملة تكاد تخلو من الشعر باستثناء بعض الشعيرات المتناثرة. مرت بيدها على رأسها وهي تتحسسها برفق وابتسامتها الهادئة تزين وجهها.  تأملتها وأنا اتعجب لهذه الفتاة التي لم تخجل من الجلوس أمام الجميع بلا شعر، فتاة جاءت إلينا بابتسماتها وبهجتها رغم  مرض شرس ينوء به الرجال. في هذه اللحظة الفارقة تراجع شعوري بالعطف والشفقة  ليحل محله إحساساً بالإعجاب والاحترام، وهو إحساس  زاد على مدار الشهور اللاحقة وأنا أتابع رحلة معاناتها وصراعها مع المرض.

اكتشفت منى حالتها وهي تتأهب للسفر لإستكمال دراستها العليا بالخارج بعد أن نالت منحة دراسية بفضل تفوقها العلمي.  ورغم تماثلها للشفاء في بداية رحلة العلاج، عاد المرض ليهاجمها مرة تلو الأخرى لتبدأ معه رحلة طويلة مع الأطباء والمستشفيات والعلاجات في الداخل والخارج.

طوال هذه الرحلة لم تفارقها ابتسامتها، بل كانت سلاحها الذي ترفعه في وجه عدو لدود يحاول الفتك بها. تعجب الأطباء من صمودها الطويل رغم جرعات العلاج الكيماوي المتكررة وشراسة المرض.  راوغت منى عدوها، وكلما حاول جرها إلى هاويته السحيقة أدارت له ظهرها وركضت نحو الحياة بقوة ابتسامتها وتفاؤلها، متسلحة بحب ومحبة من حولها من الأهل والأصدقاء والأحباء. أختارت أن تعيش الحياة بأمل حتى في غياب الأمل...أن تقتنص لحظات للفرح والحب رغم وهن وآلام جسدها...أن تمنح من حولها بعض من قوتها وبهجتها لكي يتحملوا لحظة الفراق التي كانت آتية لا ريب فيها...

وقد جاءت هذه اللحظة في يوم من أيام الربيع من العام 2012 ، لترحل عنا صاحبة الابتسامة الجميلة المفعمة بالحياة، تاركة وراءها ذكرى بهجتها وقوتها وعشقها للحياة ساكنة في أعماق كل من عرفها وأحبها.