Tuesday, December 6, 2011

غيوم في يوم العيد




أجلس في شرفة البيت المطلة على الحقول وأشجار الموالح والفاكهة. رغم الخضرة المحيطة بالمكان والتي أعشقها واشتاق إليها دوما، رغم تحليق الحمام كأطياف رقيقة تحمل الهدوء والسكينة إلى النفس، ورغم تمايل أشجار الرمان والجوافة والزيتون مع نسمات الخريف فيما يشبه صلاة كونية بديعة، ينتابني حالة من التوتر والضيق العميق. فالسكينة يقطعها صراخ قادم من عدة ميكرفونات محيطة بالمكان، يصعب تمييز ما يقال من هذا الضجيج المتنافر... فصلاة هذه أم معركة؟

التقط عبارات بها تجريح بأصحاب الأديان المغايرة، انتفض من عنف نبرة الصوت وتهجمها، اسمع كلمات لاذعة عن المرأة، انكمش داخل نفسي وأسرع إلى داخل البيت وأغلق النوافذ،  يخترق الصراخ الزجاج والجدران وينفذ إلى رأسي الذي قارب على الانفجار، الوذ بحجرتي الصغيرة ولكن يلحق بي الصياح ويدق بعنف على باب الحجرة، أكاد أشعر أن البيت يهتز ويترنح تحت وطأة المطارق الغليظة التي تصيح بلا  توقف. اندس داخل السرير واتدثر بالألحفة والبطاطين لعلني أجد دفئا ومهربا من قسوة هذا السيل الجارف من حناجر باردة لا تعرف الرحمة...أعيد هذا أم إعلان حرب؟

بعد ما يبدو أنه دهر من الزمن تسكت الميكروفونات ويعود الهدوء إلى المكان، ، انتفس الصعداء واخرج من مكمني، أعيد فتح النوافذ والشبابيك، واستقبل نسمات الخريف المحملة بروائح البرسيم والتبن والروث الممزوج بطين أرضنا الطيبة. أدلف إلى شرفة المنزل مرة أخرى وأحاول أن أستعيد سكينتي وصفاء روحي، أتأمل مخلوقات الله وآياته في السماء والأرض وانصت  إلى صلواتها وتسبيحاتها...استعيد هدوء نفسي، واتعجب لبشر لا يبصرون .

أتطلع إلى السماء، أري طيورا محلقة في سماء صافية تحملها قوة أجنحتها الهشة، وأري غيوما رمادية تتجمع في الأفق تسبقها ريح باردة، ارتجف للحظات وإعود أدراجي إلى داخل المنزل.